حياه لا تنسى
ياسر عرفات قائد الشعب الفلسطيني ومفجر ثورته الحديثة ،وأحد أبرز القادة العظام في العالم خلال القرن العشرين، خاض نضالا وجهادا لا يلين طوال أكثر من نصف قرن على مختلف الجبهات، أعاد الحياة لاسم فلسطين ولقضية شعبها في الوعي الانساني، ووضع القضية الفلسطينية على الخارطة السياسية العالمية.
ومنذ ولادته حتى استشهاده، كأن فلسطين كانت على موعد مستمر معه ومع ذاتها، فقد حمل "ياسر" في مسيرة حياته كلها فلسطين .. وطنا وقضية .. أملا وهما .. حملها والتصق بها إلى درجة صار فيها الاسمان مترادفين لسنوات طويلة .. إن ذكرت فلسطين .. ذكر عرفات .. وإن قلت عرفات .. عرف الباكستاني والهولندي والروسي والكوبي والصيني والأميركي والاندونيسي ...أنك تعني فلسطين .
ولعل ظروف النشأة الاولى لـ"محمد ياسر " أو "ياسر" هي التي صقلت شخصيته وأكسبته تلك الصبغة والقدرة المتميزة التي جعلت منه باعث الكيانية الوطنية الفلسطينية، وقائد ثورة اللاجئين الذين كادت قضيتهم أن توضع على "الرف ".. لولا ذلك الجهد الهائل والنضال المتراكم لمئات الآلاف ممن قادهم ياسر عرفات في معركة إثبات الوجود ونفي النفي ... وفي معركة تكريس حقيقة وجود الشعب الفلسطيني ومنع اندثار قضيته أو تبعثرها.
وتلك النشأة أيضا في القدس وفي ملاعب الطفولة بين جنبات الحرم القدسي الشريف ومسجد قبة الصخرة وحائط البراق وكنيسة القيامة ،هي التي جعلت وأبقت القدس حبيبة عزيزة على قلبه وعقله ..رفض التنازل عنها حتى دفع حياته ثمنا لوفائه لها.
ولد "محمد ياسر" عبد الرؤوف عرفات القدوة الحسيني .. الذي اشتهر لاحقا باسم ياسرعرفات في القدس يوم الرابع من آب / أغسطس 1929 ليكون ترتيبه السادس في أسرة الأب عبد الرؤوف داوود عرفات القدوة الحسيني والأم زهوة خليل أبو السعود ، وذلك في منزل في الزاوية الفخرية،زاوية آل ابو السعود في الجهة الجنوبية الغربية من الحرم القدسي الشريف .
نشأ ياسرعرفات في أجواء أسرية حميمة برعاية والده الذي كان يعمل في التجارة متنقلا بين القدس ـ حيث كان يمتلك متجرا للحبوب في سوق خان الزيت ـ وغزة والقاهرة، وأمه زهوة التي كانت تقيم مع زوجها في القاهرة و تزور القدس في كل عام ، خاصة في فترات الولادة جريا على عادة العائلات في ذلك الوقت، وكانت تقيم مع اطفالها في منزل شقيقها سليم ،وقدانجبت ياسر وفتحي في ذلك البيت،وكانت قد سكنت مع زوجها قبل سفر العائلة إلى مصر في" الميلوية" وفي" الواد" قرب الحرم القدسي.ورافقت زهوة زوجها عند انتقاله إلى القاهرة التي سافر اليها ليتابع قضية ميراث له من وقف الدمرداش ـ وهو من أكبر الاوقاف في مصر ـ وعمل عبد الرؤوف في تجارة القطن في القاهرة . وكانت زهوة تتردد كثيرا على القدس ومعها ياسر حتى وفاتهاسنة 1933 بمرض في الكلى وياسرما زال دون الرابعة من عمره.
بعد وفاة "زهوة" وبناء على طلب شقيقها سليم، وافق عبد الرؤوف على أن يبقى ياسر وشقيقه الأصغر فتحي ـ الذي ولد في القدس ايضا قبل أشهرمن وفاة أمه ـ ليعيشافي كنف خاله سليم أبو السعود وزوجته في القدس.
لم يكن سليم وزوجته قد رزقا بأولاد فأحاطا اليتيمين بالحب والرعاية ،وعاش الولدان معهما سنوات أربع في القدس، و كانت الأجواء العامة المحيطة بحياتهما فيها أجواء صراع ونزاع ..إحتلال ونضال ومقاومة ..فقد ولد ياسر في نفس سنة ثورة "البراق"1929، وعاش طفولته المبكرة ليشهد في القدس إرهاصات وبدايات ثورة 1936،ونشأ في وسط يعج بالمناضلين الوطنيين، الأمر الذي أثر عليه كثيرا ،حتى أن معظم ألعابه كانت تشتمل على بنادق خشبية وتمثيلا لجنود وضباط ، كما قال شقيقه فتحي، الذي يضيف أن ياسر كان يقول له " تعال نلعب لعبة تحرير فلسطين".
وفي القدس تفتحت عيناه على هذه المدينة المحافظة التي تعبق بالتاريخ وتعج بالقداسة في كل مكان فيها. وتعرف فيها ، لاحقا، الى الحاج أمين الحسيني عن طريق الشيخ حسن أبو السعود.
وفي السابعة من عمره شهد الطفل ياسرعرفات جانبا من أحداث ثورة 1936، وكغيره من الأطفال ساهم ياسرعرفات في رشق الحجارة وفي وضع المسامير أمام عجلات الدوريات البريطانية، وكان موجودا عندما دهم جنود الاحتلال البريطاني منزل خاله سليم واعتقلوه بقسوة وعنف،وتعرض ياسر بنفسه للضرب من الجنود البريطانيين الأمر الذي ترك أثرا كبيرا في "الطفل" ياسر.
وفي العام التالي انتقل ياسر ليعيش في كنف والده في القاهرة.. المحطة التي استقر فيها بعد تنقل في عمله التجاري بين القدس وغزة والقاهرة خلال السنوات الثماني الأولى من حياة ياسر 1929 -1937 ،
وكان الأب يصحب ابنه ياسرمعه في بعض سفراته إلى غزة والقاهرة
بعد انتصار الثورة الجزائرية في 1962 وبعد تشكيل رئيس الجمهورية المنتخب أحمد بن بيلا أول حكومة للجزائر الحرة ، دعت القيادة الجزائرية جمال عرفات "الشقيق الأكبر لياسر " إلى زيارة الجزائر عرفانا له بما كان قدمه لاشخاصهم ولعائلاتهم وللثورة الجزائرية في أيام نضالهم وتواجدهم في مصر أو في السجون. وعرضوا عليه وظيفة مستشار لشؤون القضية الفلسطينية في الحكومة الجزائرية وقبلها.
وفي العام التالي 1963اصطحب ياسر عرفات رفيق دربه خليل الوزير في زيارة إلى الجزائر وقدمهما جمال عرفات إلى أحمد بن بيلا ومحمد خيض، و كانت مكاتبهما في نفس المبنى الحكومي الذي فيه مكتب جمال .وحظي الوفد الفلسطيني بدعم كبير في عدة مجالات من القيادة الجزائرية . واسندت" فتح" إلى جمال عرفات مهمة تمثيلها في الجزائرقبل تكليف خليل الوزير بعد ذلك بأشهر بهذه المهمة ، وكان مكتبها في الجزائر أول مكتب رسمي للحركة في الدول العربية .
وفي آذار /مارس من العام 1964 وبدعم من الجزائرسافر ياسرعرفات وخليل الوزير إلى بكين بدعوة من القيادة الصينية . وكانت المقابلة بمثابة انتصار مهم لـ "فتح"،ومع أن الصينيين نصحوا عرفات بالتريث قبل الدخول في الكفاح المسلح إلا أنه تلقى وعدا منهم بالحصول على مساعدتهم بمجرد اندلاع المعارك الأولى
إسرائيل :كيف نتخلص من عرفات؟
شهد عام 2003 تزايد ضغوط شارون على عرفات أيضا ، على أمل أن ينكسر الزعيم الفلسطيني، فيستقيل أو يغادر البلاد.
وكانت العبارة ذاتها تتكرر بعد كل عملية تقع في إسرائيل: رئيس السلطة الفلسطينية هو الـمسؤول، ولا بد من تنحيته عن الـمسرح السياسي. أما عرفات فقد اختار أن يبقى في الـمقاطعة التي دمرت معظمها، خوفاً من أن يستغل الجيش الإسرائيلي غيابه ليحتل الـمبنى، ويعتقل مَن فيه، وينهب وثائقه، بل وربما يدمّرما تبقى منه. ومارس عرفات عمله في مكتب سيئ التهوية،وقد استحال عليه الخروج منه إلى الباحة الخارجية. اضطر الـمجلس التشريعي إلى عقد اجتماعاته في الـمقاطعة، وليس في مقرّه الرسمي في رام الله، الذي لـم يُصب بأذى، لكي يتمكن عرفات من حضور جلساته.
كانت الظروف القاسية التي عاشها عرفات في المقاطعة قد تركت عواقبها على صحة الزعيم الفلسطيني، ففي تشرين الأول/اكتوبر أُصيب بالتهاب في الـمعدة، شفي منه بسرعة، ولكن التكهنات الإسرائيلية بقرب نهايته تواترت : في تشرين الثاني/نوفمبر 2002، توقع رئيس الـموساد الـمستقيل إفرايم هاليفي" اختفاء عرفات " بطريقة أو بأخرى "عن الـمسرح خلال عام 2003 . و توقع الرجل الأول في الـمخابرات العسكرية الإسرائيلية أن "يتبخّر" عرفات قبل نهاية عام 2003، كان الفلسطينيون يعرفون أن الإسرائيليين يريدون التخلص من عرفات. وكان شارون أقدم في أيلول/سبتمبر 2002 على خطوة ذات مغزى خاص تمثلت في تعيين الجنرال الاحتياط الرهيب" مائير داغان" رئيساً للـموساد. وهو أخصائي في "التصفيات"، قاد منذ 1970 وحدة الكوماندوس الخاصة "ريمون"، التي وضعت تحت إشراف شارون ــ قائد الـمنطقة الجنوبية للبلاد في ذلك الوقت ــ وهي وحدة مكلفة باغتيال الفلسطينيين"الـمطلوبين بتهمة الإرهاب".
تزايد التدهور في الـمناطق الفلسطينية بسبب الإجراءات التعسفية التي فرضها الجيش الإسرائيلي على السكان الـمدنيين بعدأن كانت القوات الإسرائيلية قد أعادت احتلال الضفة الغربية ، وبدأت سلسلة من التوغلات العسكرية الـمنتظمة في قطاع غزة. وواصلت الحكومة سياسة توسيع الـمستوطنات وبناء الجدار الذي يضم بحكم الأمر الواقع مساحات واسعة من الأراضي الفلسطينية إلى إسرائيل، ويعزل عشرات الالاف من الفلسطينيين في الضفة الغربية .
وفي نفس الوقت شنت إسرائيل وواشنطن حملة مكثفة لفرض تغييرات سمتها " إصلاحات" على السلطة الفلسطينية تتضمن إقصاء عرفات فعليا. ومن هذه الإصلاحات استحداث منصب رئيس وزراء تعود إليه مسؤولية الأمن. وتحويل عرفات بموجب هذه الإصلاحات إلى رئيس بدون صلاحيات، وتحويل السلطات الحقيقية إلى رئيس الوزراء.واتهمت إسرائيل عرفات باستخدام أموال الدعم الأوروبي وهي الأكبر من بين معونات الدول الـمانحة، لشراء أسلحة والإنفاق على مجموعات إرهابية لكن الاتحاد الأوروبي أعلن" بعد إجراء تحقيق نزيه:"لـم نجد أي دليل على أن أموال الاتحاد الأوروبي قد استخدمت لأغراض غير تلك التي اتفق حولها الاتحاد الأوروبي مع السلطة الفلسطينية ".
لـم يكن استحداث منصب رئيس وزراء مطلباً أميركياً فقط، بل إن اللجنة الـمركزية لحركة "فتح" كانت قد طرحته في اجتماعها يوم 8 آب/أغسطس2002 برئاسة عرفات،واقترحت تعيين محمود عباس "أبو مازن" لهذا الـمنصب.
وفي إسرائيل ازدادت الأزمة السياسية الداخلية تفاقماً، فتم حل الكنيست وتقرر تنظيم انتخابات جديدة.
وافتتح نتنياهو الحملة الانتخابية الداخلية في حزب الليكود في 12 كانون الثاني/يناير 2003 بخطاب طرح فيه مجددا مسألة طرد عرفات: "لن يتحقق السلام إلا إذا تم إبعاد عرفات، إذا انتُخبتُ رئيسا للوزراء فسوف أطرده. إن هذا شرط لا غنى عنه للقضاء على الإرهاب." في اليوم التالي، عقد عرفات مؤتمرا صحافيا للرد عليه، وقال فيه : ليكن في علـمه: أنا ياسر عرفات، من بيت الحسيني، وهي أسرة والدي، ووالد والدي، ووالد والد والدي، وأجدادي الأولين. وجميعهم، جيلا بعد جيل، هم من أهل هذه البلاد..أنا هنا على أرضي، وعلى أرض أجدادي."
ودعا الحزب القومي الديني الإسرائيلي، الأكثر قومية وتطرفا في معسكر الـمتدينيين، في حملته الانتخابية إلى طرد عرفات: سوف ترتاح إسرائيل في اليوم الذي يُبعد فيه عرفات وتنافست لوائح الـمهاجرين الروس فيما بينها في طرح الحجج الداعية لطرد الزعيم الفلسطيني.
وحين عاود شارون هجومه على عرفات في حملته الانتخابية واصفا إياه مرة أخرى بـ "بن لادن"، قرر الزعيم الفلسطيني توضيح موقفه مرة أخرى في هذا الخصوص، فقال: ليكف عن تستره وراء القضية الفلسطينية. ما الذي يدعو بن لادن لأن يتحدث الآن عن فلسطين؟ إنه لـم يساعدنا في يوم من الأيام ..إن بن لادن ينشط في ميدان مختلف تماما عن ميداننا وهو يعمل ضد مصالحنا.
وفي 28 كانون الثاني/يناير 2003، فاز حزب الليكود بقيادة شارون في الانتخابات وكرر عرفات استعداده ، للقاء شارون لكن الناطق الرسمي باسم الحكومة الإسرائيليةرد قائلاً: عرفات هو خارج اللعبة ..
تواصلت الهجمات والعمليات العسكرية من كلا الجانبين موقعة مزيدا من الضحايا الـمدنيين، وذلك رغم نداءات عرفات، الذي كان يدرك أن تصاعد العنف يخدم قضية الليكود، ويخشى، من تجذر الرأي العام المعادي للسلام في إسرائيل.
وفي 10 آذار/مارس 2003وافق الـمجلس التشريعي الفلسطيني بأغلبية كبيرة على استحداث منصب رئيس الوزراء. قبل ذلك بيومين، كان الـمجلس الـمركزي لـمنظمة التحرير قد أعطى موافقته. اقترح عرفات محمود عباس لرئاسة الحكومة مع احتفاظ عرفات بالـمسؤولية عن قوى الأمن الأساسية، وكذلك عن ملف مفاوضات السلام مع إسرائيل، وأحال مسؤولية الـماليةفي السلطة إلى الدكتورسلام فياض.
ومع ذلك، عبر وزير الخارجية الاميركي كولن باول عن خيبته قائلا:العديد من السلطات ما زالت بين يدي عرفات.
في هذا الوقت انشغلت الولايات الـمتحدة بالحرب على العراق والتي بدات في 20 آذار/مارس 2003.
واتخذ الرئيس الفلسطيني الـموقف ذاته الذي اتخذه العرب من الحرب ووصفها بأنها انتهاك للشرعية الدولية وزعزعة لـمصداقية الأمم الـمتحدة .
في 23 نيسان/أبريل توصل عرفات مع محمود عباس إلى اتفاق حول تأليف الحكومة. وقال المبعوث الاوروبي ميغيل انخيل موراتينوس:" عرفات هو السلطة السياسية والـمعنوية للشعب الفلسطيني، ومن الـمؤكد أن قرار الـموافقة على تأليف حكومة جديدة الذي اتخذه عرفات لا يشكل هزيمة له ... لا يمكننا القول انه رجل من الـماضي".
وإذ ذاك أعلن الرئيس الأميركي جورج بوش ، باسم اللجنة الرباعية الدولية ، عن "خارطة الطريق"، التي تنص على إقامة دولة فلسطينية على مراحل، تكتمل في العام 2005. وافق عليها عرفات وحكومته بخطوطها العريضة، وفعلت الحكومة الإسرائيلية الشيء ذاته ولكن بشروط وتحفظات تنسفها.
في 4 حزيران/يونيو ، اجتمع" أبو مازن" وشارون وجورج بوش والـملك عبد الله الثاني عاهل الاردن في العقبة. كان ياسر عرفات يتابع الحدث على شاشة التلفزيون من الـمقاطعة، وسمع خطاب أبو مازن الذي جرت عليه تعديلات كثيرة من قبل مختلف الـمعاونين، وكان موجها بالأساس إلى الأميركيين والإسرائيليين: ما من كلـمة واحدة عن عرفات، الـمستثنى والـمعزول. ما من كلـمة واحدة عن مسألة اللاجئين. ما من كلـمة واحدة عن القدس. بالـمقابل، دعا أبو مازن الفلسطينيين إلى إنهاء الانتفاضة الـمسلحة ، مؤكدا أن السلطة الفلسطينية اتخذت لنفسها هدفا واضحا وهي تسعى لتحقيقة بحزم وبلا تهاون: الإنهاء التام للعنف والإرهاب .
واختار عرفات أن يدافع عن رئيس وزرائه وركز كل انتقاداته على خطاب شارون وحده، الذي لـم يقدم برأيه تنازلات حقيقية، ووقف عرفات في وجه أعضاء "فتح" الذين انتقدوا خطاب محمود عباس .
انتهز شارون التطورات السياسية الفلسطينية الداخلية ليعاود هجومه على عرفات من زاوية مختلفة هذه الـمرة. فقد ادعى أن رئيس الوزراء الفلسطيني لا يستطيع العمل بهدوء، وأن جهوده تتعرض للتخريب، وأن عرفات لا يزال العقبة الرئيسية "قبل الإسلاميين"، ــ على حد تعبير شارون ــ أمام كل محاولة للسلام...
وقال أحد الـمقربين من شارون : أبلغنا الأميركيين أنه إذا استمر عرفات في إضعاف محمود عباس ، فإن إسرائيل ستضطرإلى إعادة النظر في وضعه.وهكذا عادت التهديدات بطرد أو إزالة الرئيس عرفات إلى الواجهة مرة أخرى .
وعندما أراد عرفات التوجه من رام الله إلى غزة للمشاركة في تشييع شقيقته يسرى التي توفيت في آب/أغسطس 2003أعلنت إسرائيل انها لن تسمح له بالعودة من غزة إلى الضفة الغربية،فامتنع عرفات عن مغادرة رام الله ولم يشارك في جنازة شقيقته. وبدا واضحا أن إسرائيل تواصل استهداف عرفات شخصيا .
تفاقم التصعيد الإسرائيلي على نحو خطير: وفي 6 تشرين الثاني/نوفمبر2003،أفلت الشيخ أحمد ياسين بأعجوبة من قصف إسرائيلي على غزة.وطفح الكيل بمحمود عباس من الممارسات الإسرائيلية ،فقدم استقالته في اليوم ذاته ووافق عليها عرفات ليخلفه في الـمنصب أحمد قريع (أبو علاء ).
كانت إسرائيل قد اعلنت أن حكومتها الأمنية المصغرة وافقت يوم 13 أيلول /سبتمبر مبدئيا على قرار " إزالة عرفات". كانت تلك الـمرة الأولى التي تقرر فيها حكومة" إزالة"رئيس منتخب ديمقراطيا ،وأثار القرار شجبا دوليا واسعا وتسبّب في "عزلة دبلوماسية" لإسرائيل.
واستخدم الأميركيون حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن على قرار يدين القرار الإسرائيلي ، غير أن الجمعية العامة للأمم الـمتحدة أدانت إسرائيل بالإجماع تقريبا ، ودعت إسرائيل للعدول عن تنفيذ قرارها.
وكان نائب رئيس الوزراء إيهود أولـمرت، صديق شارون وموضع ثقته صرح في وقت سابق "لـم يكن مستبعدا قتل عرفات". الشيء ذاته أكدته بلا تردد الصحيفة اليمينية "جيروزالـم بوست"، الـمقربة جدا من الحكومة، حيث جاء في افتتاحية لها يوم 11 تشرين الثاني/نوفمبر 2003: يجب أن نقتل ياسر عرفات، لأن العالـم لـم يدع لنا خيارا آخر".
إثر صدور قرار مجلس الوزراء الإسرائيلي، كشفت صحيفة" يديعوت أحرونوت "الإسرائيلية عن خطةإزالة عرفات و نسبتها إلى ضابط إسرائيلي .
وحين قرأ ياسر عرفات ترجمة المنشور عن خطط "إزالته"، تصرف بهدوء..وقال للصحافي الإسرائيلي الفرنسي اليهودي أمنون كابليوك: "دعهم يحيكون مؤامراتهم. أما أنا فسوف أكون حراً أو شهيداً."
خلال الأسبوع الأول من آذار/مارس 2004 حاصرت قوات الاحتلال المقاطعة مرتين في الوقت الذي كان فيه شارون يعد خطة الانفصال عن غزة وكان يتباحث مع الاميركيين بشأنها،وكانت قوات الاحتلال تنفذ هجمات واسعة خاصة في قطاع غزة ما اسفر عن سقوط عشرات الشهداء ومئات الجرحى ،فطالب عرفات يوم 11من الشهر نفسه اللجنة الرباعية الدولية بالتدخل" لوقف الجرائم الاسرائيلية التي لا يمكن القبول بها ".لكن إسرائيل ردت باغتيال مؤسس وزعيم حماس الشيخ أحمد ياسين يوم 22آذار/مارس ،وأكدعرفات بعد ذلك ان الشعب الفلسطيني لن يتخلى ولن يتراجع عن أهدافه ، فطالب في اليوم ذاته رئيس لجنة الخارجية والامن التابعة للكنيست يوفال شتيانتيس بطرد ياسر عرفات إلى تونس.وفي اليوم التالي ألمح رئيس أركان الجيش الإسرائيلي الجنرال موشي يعلون إلى أن الاغتيال يقترب من ياسر عرفات .
كان عرفات يواصل عمله ونشاطه في مقره بالمقاطعة ..يستقبل ويودع الزوار والوفود :ويعقد الاجتماعات مع مسؤولين ومساعدين .. بقي عرفات محور العمل السياسي الفلسطيني ولم تنجح كل محاولات إسرائيل لعزله.
وبدأت "الحرب الصحية" تتصاعد على الرئيس ياسر عرفات يوم 4 نيسان/أبريل حيث نقلت القناة الثانية في التلفزيون الاسرائيلي نبا عاجلا مفاده ان الرئيس عرفات اصيب بجلطة دماغية، بينما كان في الواقع يقوم بعمله بشكل طبيعي في المقاطعة في رام الله. وقال صحافي اجنبي وقتها انه رصد خلال الأشهر الخمسة التي سبقت 10 تقارير صحافية عن تدهور صحة عرفات ،و عندما تحقق من مصادرها وجدها جميعا إسرائيلية الأصل .. وبالطبع كانت كلها عارية عن الصحة وبلا أساس .
في يوم 7نيسان/ابريل قال رئيس الوزراء الفلسطيني أحمد قريع في تصريحات في القاهرة انه يجب التعامل بجدية مع التهديدات الاسرائيلية باغتيال عرفات بعد أن كان شارون صرح قبل يومين على ذلك بانه لا يضمن سلامة عرفات .وجاءت الاشارة القوية يوم 14/4/ 2004 حين أخبر شارون الرئيس الاميركي جورج بوش ـ حسب الكاتب الإسرائيلي "اوري دان" وهو أحد مقربي ارئيل شارون ومؤتمن أسراره ـ بانه لم يعد ملزما أكثر بالوعد الذي قطعه له حسب طلبه في آذار/مارس 2001 والذي تعهد فيه بعدم المس جسديا بعرفات ،فرد عليه بوش وقال: من الأفضل أن نترك مصير الرجل في يد رب السماء ،فقال له شارون : رب السماء يحتاج في بعض الأوقات إلى مساعدة .
لم يعط بوش لشارون الضوء الاخضر لقتل ياسر عرفات، لكن شارون اعتبر ان يده باتت طليقة فيما يتعلق بعرفات.وفي ذلك اليوم 14/4/ 2004 أعطى بوش لشارون ما اعتبره البعض "وعد بوش" على غرار "وعد بلفور" ...فقد وجه بوش رسالة إلى شارون أعلن فيها موافقته على خطة الانسحاب الاحادي من غزة، وأعطى بوش " شرعية" في خطابه للتجمعات الاستيطانية وتبنى اللاءات الإسرائيلية بشان حق العودة للاجئين الفلسطينيين وحدود الرابع من حزيران الامر الذي رفضه ياسر عرفات.
وبعد اغتيال إسرائيل للزعيم الجديد لحركة حماس عبد العزيز الرنتيسي في 17/4/2004 بستة أيام وجّه شارون تهديداًجديداًإلى عرفات، معتبراً أن الرئيس لـم يعد يتمتع بأية "حصانة".
وقال شارون "وعدت قبل ثلاث سنوات الرئيس الأميركي جورج بوش بعدم المساس بعرفات، إلا أنني لـم أعد ملزماً بهذا الوعد، والأخير لـم يعد يستفيد من أية حصانة".
ونقل عن شارون قوله في الـمقابلة إنه أبلغ بوش بأنه لـم يعد ملتزماً بتعهده بعدم إيذاء عرفات جسدياً، وبأنه يدرك الـمشاكل الـمتعلقة بهذه الـمسألة، لكنه لـم يعد ملزماً بالاتفاق.
وكان شارون أعلن في الثاني من الشهر نفسه في مقابلة مع صحيفة هآرتس "أنا لا أنصح أية شركة تأمين بضمان حياة عرفات".
وبعد ثلاثة أيام، قال شارون في تهديد أكثر مباشرة "إن جميع الذين يقتلون يهوداً أو يحثون على قتل يهود او مواطنين إسرائيليين يستحقون الـموت .. نعلـم أن عرفات مسؤول عن قتل يهود منذ عقود".
واعلنت وزارة الخارجية الاميركيةأن الـموقف الاميركي الـمعارض لاستخدام العنف ضد عرفات لـم يتغير.
وأكدت واشنطن مرارا معارضتها لاي تهديد لحياة عرفات على الرغم من أن الولايات الـمتحدة من أنصار تهميشه داخل السلطة الفلسطينية.
وبهذا الصدد ، قال نبيل ابو ردينه، الناطق باسم عرفات،"انها تصريحات مرفوضة ونحن نطلب من الإدارة الاميركية توضيح موقفها من هذه التصريحات الخطيرة وتحمل مسؤولياتها تجاه التصعيد الذي يمارسه رئيس الوزراء الاسرائيلي ويدفع الـمنطقة اليه". وأضاف"نحمل شارون الـمسؤولية الكاملة عن هذه التصريحات الخطيرة التي ستجر المنطقة بأكملها إلى مخاطر كبيرة".ورأىالمسؤولون الفلسطينيون أن تهديدات شارون الاخيرة هي الأخطر من بين سلسلة من التهديدات التي أطلقها رئيس الوزراء الاسرائيلي ضد الرئيس عرفات، معتبرين أن إقدام الحكومة الاسرائيلية على اغتيال قادة بارزين من حركة حماس فضلا عن الضوء الاميركي الممنوح لشارون وانشغال الولايات المتحدة بمشاكلها في العراق وحالة العجز العربي قد تدفع شارون لارتكاب هذه المخاطرة، الجريمة الكبرى.
وخفف مسؤولون اسرائيليون من "حدة" هذه التهديدات بالتأكيد على أن المس بالرئيس عرفات ليس آنيا أو قريبا جدا، إلا أن مصادر اسرائيلية قالت انه لربما كانت التهديدات تمهد لابعاد الرئيس إلى غزة وهي فكرة أيدها علنا رئيس المعارضة الاسرائيلية شمعون بيريس.ومن جانبه قال قائد المنطقة العسكرية لوسط اسرائيل الجنرال موشي كابلينسكي : "الجيش الاسرائيلي لم يتلق اية تعليمات في هذا الشأن لكنه مستعد للتحرك".
وحذر من ان "أي شخص متورط في الإرهاب يجب أن يدرك أنه لا يستطيع النوم بأمان".
وتواصلت أيضا الهجمات الاميركية على عرفات ،واتهم وزير الخارجية الاميركية كولن باول عرفات بمواصلة القاء البيانات التحريضية في المنطقة، وشدد باول على"حق اسرائيل في الدفاع عن نفسها" وحمل الفلسطينيين مسؤولية استمرار أعمال العنف منتقدا بشدة الرئيس عرفات. ودعا باول عرفات مجددا إلى التخلي عن السيطرة على أجهزة الأمن.
وفي 3 أيار/مايو 2004حاصرت قوات الاحتلال الإسرائيلي المقاطعة مجددا،ومنعت الدخول أو الخروج من مكتب عرفات،وبعد ثلاثة ايام تعمد بوش أن يتجاهل عرفات، وقال للصحافة أنه سيبعث برسالة شخصية إلى رئيس الوزراء الفلسطيني أحمد قريع وأنه سيوسع الحوار بين الولايات المتحدة والفلسطينيين.ولم يسمح لعرفات بمغادرة الاراضي الفلسطينية للمشاركة في القمة العربية بتونس يوم 22/5/2004 فتحدث اليها في كلمة متلفزة جدد فيها التزامه بسلام الشجعان ،وطالب بقوة دولية لحماية الشعب الفلسطين ومراقبة ما تقوم به إسرائيل .
تواصلت الاعتداءات الإسرائيلية في الضفة وغزة وردت الفصائل الفلسطينية بعمليات تفجيرية في إسرائيل، وفي اليوم الأخير من الشهر ذاته أعلنت القاهرة موافقة عرفات وشارون على مبادرة مصرية لوقف أعمال العنف وإعادة تحريك المفاوضات وعقد لقاء بين شارون وقريع.وفي اليوم التالي تحدثت مصادر إسرائيلية عن استعداد شارون لتغيير موقفه من عرفات إذا وافق الأخير على التخلي عن صلاحياته الامنية وإذا منح صلاحيات أوسع لرئيس الوزراء أحمد قريع.
تلقى عرفات دعما مهماـ في ظل الحصار الإسرائيلي المدعوم أميركيا ـ فقد تصادم الرئيس الفرنسي جاك شيراك مع السياسة الخارجية الاميركية يوم 29/6/2004 بقوله إن العزلة المفروضة على الرئيس ياسرعرفات تعرقل عملية تحقيق السلام في الشرق الاوسط.وأضاف شيراك الذي كان يتحدث على هامش قمة للحلف الأطلسي:"يمكن للناس أن يتبنوا ما شاؤوا من آراء في الرئيس عرفات أو أي رئيس اخر... لكن لا يمكن منازعة الشرعية ما لم تقدم شرعية مختلفة." وقال : "من الطبيعي أن تكون لفرنسا اتصالات مع الرئيس الفلسطيني عرفات الذي ربما يكون الشخص الوحيد القادر على فرض حل وسط على الشعب الفلسطيني."وفي نفس اليوم أوفد شيراك وزير خارجيته ميشال بارنييه إلى رام الله للقاء عرفات. وتعقيبا على الزيارة شجب شارون ما وصفه بانه التصرف غير الودي للحكومة الفرنسية،وقال شارون "أصابتني زيارة بارنييه وكذلك تصريحات الرئيس جاك شيراك حول وضع ياسرعرفات بالخيبة".
تواصل الحصار الإسرائيلي على عرفات وفي الأول من آب/أغسطس 2004 منحت جامعة القدس الدكتوراة الفخرية لياسر عرفات وذلك في حفل خاص أقيم في مقر عرفات بالمقاطعة المحاصرة.ومرة أخرى جدد عرفات وبنفس القوة ما كان دائما يؤكده:الشعب الفلسطيني لن يتخلى عن أرضه وحريته ولن يرضخ للاحتلال.وفي الثامن عشر من الشهر نفسه ألقى عرفات خطابا أمام المجلس التشريعي الذي انعقد في المحاصرة،كان الخطاب شاملا وتضمن لأول مرة تقييما للسنوات العشر من عمر السلطة الفلسطينية.
وفي الثاني عشر من أيلول/سبتمبرأعلن عمرو موسى الأمين العام لجامعة الدول العربية ان الدول العربية تجري مشاورات بشأن التهديدات الإسرائيلية للرئيس ياسر عرفات ، وقال موسى عقب اجتماع لمندوبي الدول العربية في القاهرة أن هذه التهديدات غير مقبولة وينبغي الرد عليها،والرئيس عرفات هو الرئيس الشرعي للشعب الفلسطيني والعنوان الرئيسي والصحيح للتحدث بشان القضية الفلسطينية.
ورد شارون على التحرك العربي بأن جدد يوم 14/9/2004 تهديداته وألمح إلى أن إسرائيل قد تغتال عرفات أو تطرده من الأراضي الفلسطينية.وقال شارون لصحيفة"يديعوت أحرونوت":لا أرى فرقا بين عرفات وبين زعيمين لحماس اغتالتهما إسرائيل في الربيع الماضي ـ هما أحمد ياسين وعبد العزيز الرنتيسي ـ" ..جميعهم يتبعون سياسة قتل ..وسنفعل بعرفات ما فعلنا مع القتلة.
وكذلك تحث في نفس الاسبوع وزيرا الدفاع والخارجية الإسرائيليين شاؤول موفاز وسيلفان شالوم عن العزم على "طرد" عرفات "قريبا".
واعتبرت السلطة الوطنية الفلسطينية التهديدات خطيرة جدا وطالبت بتدخل اللجنة الرباعيةالدولية.
وقال صائب عريقات وزير شؤون المفاوضات: هذه التهديدات تحضير وتمهيد للمس بالرئيس عرفات جسديا .
وقال شارون بعد ثلاثة ايام في تصريحات صحافية: سنتخلص من ياسرعرفات عندما تكون الأوضاع في صالحنا ..ولو استطعنا التخلص منه لفعلنا ذلك منذ مدة.
يوم 22/9/2004 كرر شارون تهديداته وقال: إسرائيل ستتخذ كل إجراء ضد ياسر عرفات في الوقت الذي تراه مناسبا كما فعلت عند اغتيال زعماء حماس في وقت سابق من العام الحالي.
ويقيت الاتصالات مقطوعة بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي ،وبدا واضحا لعرفات أن شارون ينفذ فقط ما اعتاد عليه طوال حياته ضد الفلسطينيين ، ودعا عرفات في الخامس من تشرين الأول/اكتوبر 2004مجلس الأمن الدولي إلى إصدار قرار يلزم إسرائيل بوقف عدوانها ضد الشعب الفلسطيني وبوقف استخدامها الاسلحة المحرمة دوليا وانتهاكها للمقدسات المسيحية والاسلامية وقتل النساء والاطفال ,وأكد عرفات ان الاتصالات الرسمية مع الحكومة الإسرائيلية مقطوعة.
ياسر عرفات قائد الشعب الفلسطيني ومفجر ثورته الحديثة ،وأحد أبرز القادة العظام في العالم خلال القرن العشرين، خاض نضالا وجهادا لا يلين طوال أكثر من نصف قرن على مختلف الجبهات، أعاد الحياة لاسم فلسطين ولقضية شعبها في الوعي الانساني، ووضع القضية الفلسطينية على الخارطة السياسية العالمية.
ومنذ ولادته حتى استشهاده، كأن فلسطين كانت على موعد مستمر معه ومع ذاتها، فقد حمل "ياسر" في مسيرة حياته كلها فلسطين .. وطنا وقضية .. أملا وهما .. حملها والتصق بها إلى درجة صار فيها الاسمان مترادفين لسنوات طويلة .. إن ذكرت فلسطين .. ذكر عرفات .. وإن قلت عرفات .. عرف الباكستاني والهولندي والروسي والكوبي والصيني والأميركي والاندونيسي ...أنك تعني فلسطين .
ولعل ظروف النشأة الاولى لـ"محمد ياسر " أو "ياسر" هي التي صقلت شخصيته وأكسبته تلك الصبغة والقدرة المتميزة التي جعلت منه باعث الكيانية الوطنية الفلسطينية، وقائد ثورة اللاجئين الذين كادت قضيتهم أن توضع على "الرف ".. لولا ذلك الجهد الهائل والنضال المتراكم لمئات الآلاف ممن قادهم ياسر عرفات في معركة إثبات الوجود ونفي النفي ... وفي معركة تكريس حقيقة وجود الشعب الفلسطيني ومنع اندثار قضيته أو تبعثرها.
وتلك النشأة أيضا في القدس وفي ملاعب الطفولة بين جنبات الحرم القدسي الشريف ومسجد قبة الصخرة وحائط البراق وكنيسة القيامة ،هي التي جعلت وأبقت القدس حبيبة عزيزة على قلبه وعقله ..رفض التنازل عنها حتى دفع حياته ثمنا لوفائه لها.
ولد "محمد ياسر" عبد الرؤوف عرفات القدوة الحسيني .. الذي اشتهر لاحقا باسم ياسرعرفات في القدس يوم الرابع من آب / أغسطس 1929 ليكون ترتيبه السادس في أسرة الأب عبد الرؤوف داوود عرفات القدوة الحسيني والأم زهوة خليل أبو السعود ، وذلك في منزل في الزاوية الفخرية،زاوية آل ابو السعود في الجهة الجنوبية الغربية من الحرم القدسي الشريف .
نشأ ياسرعرفات في أجواء أسرية حميمة برعاية والده الذي كان يعمل في التجارة متنقلا بين القدس ـ حيث كان يمتلك متجرا للحبوب في سوق خان الزيت ـ وغزة والقاهرة، وأمه زهوة التي كانت تقيم مع زوجها في القاهرة و تزور القدس في كل عام ، خاصة في فترات الولادة جريا على عادة العائلات في ذلك الوقت، وكانت تقيم مع اطفالها في منزل شقيقها سليم ،وقدانجبت ياسر وفتحي في ذلك البيت،وكانت قد سكنت مع زوجها قبل سفر العائلة إلى مصر في" الميلوية" وفي" الواد" قرب الحرم القدسي.ورافقت زهوة زوجها عند انتقاله إلى القاهرة التي سافر اليها ليتابع قضية ميراث له من وقف الدمرداش ـ وهو من أكبر الاوقاف في مصر ـ وعمل عبد الرؤوف في تجارة القطن في القاهرة . وكانت زهوة تتردد كثيرا على القدس ومعها ياسر حتى وفاتهاسنة 1933 بمرض في الكلى وياسرما زال دون الرابعة من عمره.
بعد وفاة "زهوة" وبناء على طلب شقيقها سليم، وافق عبد الرؤوف على أن يبقى ياسر وشقيقه الأصغر فتحي ـ الذي ولد في القدس ايضا قبل أشهرمن وفاة أمه ـ ليعيشافي كنف خاله سليم أبو السعود وزوجته في القدس.
لم يكن سليم وزوجته قد رزقا بأولاد فأحاطا اليتيمين بالحب والرعاية ،وعاش الولدان معهما سنوات أربع في القدس، و كانت الأجواء العامة المحيطة بحياتهما فيها أجواء صراع ونزاع ..إحتلال ونضال ومقاومة ..فقد ولد ياسر في نفس سنة ثورة "البراق"1929، وعاش طفولته المبكرة ليشهد في القدس إرهاصات وبدايات ثورة 1936،ونشأ في وسط يعج بالمناضلين الوطنيين، الأمر الذي أثر عليه كثيرا ،حتى أن معظم ألعابه كانت تشتمل على بنادق خشبية وتمثيلا لجنود وضباط ، كما قال شقيقه فتحي، الذي يضيف أن ياسر كان يقول له " تعال نلعب لعبة تحرير فلسطين".
وفي القدس تفتحت عيناه على هذه المدينة المحافظة التي تعبق بالتاريخ وتعج بالقداسة في كل مكان فيها. وتعرف فيها ، لاحقا، الى الحاج أمين الحسيني عن طريق الشيخ حسن أبو السعود.
وفي السابعة من عمره شهد الطفل ياسرعرفات جانبا من أحداث ثورة 1936، وكغيره من الأطفال ساهم ياسرعرفات في رشق الحجارة وفي وضع المسامير أمام عجلات الدوريات البريطانية، وكان موجودا عندما دهم جنود الاحتلال البريطاني منزل خاله سليم واعتقلوه بقسوة وعنف،وتعرض ياسر بنفسه للضرب من الجنود البريطانيين الأمر الذي ترك أثرا كبيرا في "الطفل" ياسر.
وفي العام التالي انتقل ياسر ليعيش في كنف والده في القاهرة.. المحطة التي استقر فيها بعد تنقل في عمله التجاري بين القدس وغزة والقاهرة خلال السنوات الثماني الأولى من حياة ياسر 1929 -1937 ،
وكان الأب يصحب ابنه ياسرمعه في بعض سفراته إلى غزة والقاهرة
بعد انتصار الثورة الجزائرية في 1962 وبعد تشكيل رئيس الجمهورية المنتخب أحمد بن بيلا أول حكومة للجزائر الحرة ، دعت القيادة الجزائرية جمال عرفات "الشقيق الأكبر لياسر " إلى زيارة الجزائر عرفانا له بما كان قدمه لاشخاصهم ولعائلاتهم وللثورة الجزائرية في أيام نضالهم وتواجدهم في مصر أو في السجون. وعرضوا عليه وظيفة مستشار لشؤون القضية الفلسطينية في الحكومة الجزائرية وقبلها.
وفي العام التالي 1963اصطحب ياسر عرفات رفيق دربه خليل الوزير في زيارة إلى الجزائر وقدمهما جمال عرفات إلى أحمد بن بيلا ومحمد خيض، و كانت مكاتبهما في نفس المبنى الحكومي الذي فيه مكتب جمال .وحظي الوفد الفلسطيني بدعم كبير في عدة مجالات من القيادة الجزائرية . واسندت" فتح" إلى جمال عرفات مهمة تمثيلها في الجزائرقبل تكليف خليل الوزير بعد ذلك بأشهر بهذه المهمة ، وكان مكتبها في الجزائر أول مكتب رسمي للحركة في الدول العربية .
وفي آذار /مارس من العام 1964 وبدعم من الجزائرسافر ياسرعرفات وخليل الوزير إلى بكين بدعوة من القيادة الصينية . وكانت المقابلة بمثابة انتصار مهم لـ "فتح"،ومع أن الصينيين نصحوا عرفات بالتريث قبل الدخول في الكفاح المسلح إلا أنه تلقى وعدا منهم بالحصول على مساعدتهم بمجرد اندلاع المعارك الأولى
إسرائيل :كيف نتخلص من عرفات؟
شهد عام 2003 تزايد ضغوط شارون على عرفات أيضا ، على أمل أن ينكسر الزعيم الفلسطيني، فيستقيل أو يغادر البلاد.
وكانت العبارة ذاتها تتكرر بعد كل عملية تقع في إسرائيل: رئيس السلطة الفلسطينية هو الـمسؤول، ولا بد من تنحيته عن الـمسرح السياسي. أما عرفات فقد اختار أن يبقى في الـمقاطعة التي دمرت معظمها، خوفاً من أن يستغل الجيش الإسرائيلي غيابه ليحتل الـمبنى، ويعتقل مَن فيه، وينهب وثائقه، بل وربما يدمّرما تبقى منه. ومارس عرفات عمله في مكتب سيئ التهوية،وقد استحال عليه الخروج منه إلى الباحة الخارجية. اضطر الـمجلس التشريعي إلى عقد اجتماعاته في الـمقاطعة، وليس في مقرّه الرسمي في رام الله، الذي لـم يُصب بأذى، لكي يتمكن عرفات من حضور جلساته.
كانت الظروف القاسية التي عاشها عرفات في المقاطعة قد تركت عواقبها على صحة الزعيم الفلسطيني، ففي تشرين الأول/اكتوبر أُصيب بالتهاب في الـمعدة، شفي منه بسرعة، ولكن التكهنات الإسرائيلية بقرب نهايته تواترت : في تشرين الثاني/نوفمبر 2002، توقع رئيس الـموساد الـمستقيل إفرايم هاليفي" اختفاء عرفات " بطريقة أو بأخرى "عن الـمسرح خلال عام 2003 . و توقع الرجل الأول في الـمخابرات العسكرية الإسرائيلية أن "يتبخّر" عرفات قبل نهاية عام 2003، كان الفلسطينيون يعرفون أن الإسرائيليين يريدون التخلص من عرفات. وكان شارون أقدم في أيلول/سبتمبر 2002 على خطوة ذات مغزى خاص تمثلت في تعيين الجنرال الاحتياط الرهيب" مائير داغان" رئيساً للـموساد. وهو أخصائي في "التصفيات"، قاد منذ 1970 وحدة الكوماندوس الخاصة "ريمون"، التي وضعت تحت إشراف شارون ــ قائد الـمنطقة الجنوبية للبلاد في ذلك الوقت ــ وهي وحدة مكلفة باغتيال الفلسطينيين"الـمطلوبين بتهمة الإرهاب".
تزايد التدهور في الـمناطق الفلسطينية بسبب الإجراءات التعسفية التي فرضها الجيش الإسرائيلي على السكان الـمدنيين بعدأن كانت القوات الإسرائيلية قد أعادت احتلال الضفة الغربية ، وبدأت سلسلة من التوغلات العسكرية الـمنتظمة في قطاع غزة. وواصلت الحكومة سياسة توسيع الـمستوطنات وبناء الجدار الذي يضم بحكم الأمر الواقع مساحات واسعة من الأراضي الفلسطينية إلى إسرائيل، ويعزل عشرات الالاف من الفلسطينيين في الضفة الغربية .
وفي نفس الوقت شنت إسرائيل وواشنطن حملة مكثفة لفرض تغييرات سمتها " إصلاحات" على السلطة الفلسطينية تتضمن إقصاء عرفات فعليا. ومن هذه الإصلاحات استحداث منصب رئيس وزراء تعود إليه مسؤولية الأمن. وتحويل عرفات بموجب هذه الإصلاحات إلى رئيس بدون صلاحيات، وتحويل السلطات الحقيقية إلى رئيس الوزراء.واتهمت إسرائيل عرفات باستخدام أموال الدعم الأوروبي وهي الأكبر من بين معونات الدول الـمانحة، لشراء أسلحة والإنفاق على مجموعات إرهابية لكن الاتحاد الأوروبي أعلن" بعد إجراء تحقيق نزيه:"لـم نجد أي دليل على أن أموال الاتحاد الأوروبي قد استخدمت لأغراض غير تلك التي اتفق حولها الاتحاد الأوروبي مع السلطة الفلسطينية ".
لـم يكن استحداث منصب رئيس وزراء مطلباً أميركياً فقط، بل إن اللجنة الـمركزية لحركة "فتح" كانت قد طرحته في اجتماعها يوم 8 آب/أغسطس2002 برئاسة عرفات،واقترحت تعيين محمود عباس "أبو مازن" لهذا الـمنصب.
وفي إسرائيل ازدادت الأزمة السياسية الداخلية تفاقماً، فتم حل الكنيست وتقرر تنظيم انتخابات جديدة.
وافتتح نتنياهو الحملة الانتخابية الداخلية في حزب الليكود في 12 كانون الثاني/يناير 2003 بخطاب طرح فيه مجددا مسألة طرد عرفات: "لن يتحقق السلام إلا إذا تم إبعاد عرفات، إذا انتُخبتُ رئيسا للوزراء فسوف أطرده. إن هذا شرط لا غنى عنه للقضاء على الإرهاب." في اليوم التالي، عقد عرفات مؤتمرا صحافيا للرد عليه، وقال فيه : ليكن في علـمه: أنا ياسر عرفات، من بيت الحسيني، وهي أسرة والدي، ووالد والدي، ووالد والد والدي، وأجدادي الأولين. وجميعهم، جيلا بعد جيل، هم من أهل هذه البلاد..أنا هنا على أرضي، وعلى أرض أجدادي."
ودعا الحزب القومي الديني الإسرائيلي، الأكثر قومية وتطرفا في معسكر الـمتدينيين، في حملته الانتخابية إلى طرد عرفات: سوف ترتاح إسرائيل في اليوم الذي يُبعد فيه عرفات وتنافست لوائح الـمهاجرين الروس فيما بينها في طرح الحجج الداعية لطرد الزعيم الفلسطيني.
وحين عاود شارون هجومه على عرفات في حملته الانتخابية واصفا إياه مرة أخرى بـ "بن لادن"، قرر الزعيم الفلسطيني توضيح موقفه مرة أخرى في هذا الخصوص، فقال: ليكف عن تستره وراء القضية الفلسطينية. ما الذي يدعو بن لادن لأن يتحدث الآن عن فلسطين؟ إنه لـم يساعدنا في يوم من الأيام ..إن بن لادن ينشط في ميدان مختلف تماما عن ميداننا وهو يعمل ضد مصالحنا.
وفي 28 كانون الثاني/يناير 2003، فاز حزب الليكود بقيادة شارون في الانتخابات وكرر عرفات استعداده ، للقاء شارون لكن الناطق الرسمي باسم الحكومة الإسرائيليةرد قائلاً: عرفات هو خارج اللعبة ..
تواصلت الهجمات والعمليات العسكرية من كلا الجانبين موقعة مزيدا من الضحايا الـمدنيين، وذلك رغم نداءات عرفات، الذي كان يدرك أن تصاعد العنف يخدم قضية الليكود، ويخشى، من تجذر الرأي العام المعادي للسلام في إسرائيل.
وفي 10 آذار/مارس 2003وافق الـمجلس التشريعي الفلسطيني بأغلبية كبيرة على استحداث منصب رئيس الوزراء. قبل ذلك بيومين، كان الـمجلس الـمركزي لـمنظمة التحرير قد أعطى موافقته. اقترح عرفات محمود عباس لرئاسة الحكومة مع احتفاظ عرفات بالـمسؤولية عن قوى الأمن الأساسية، وكذلك عن ملف مفاوضات السلام مع إسرائيل، وأحال مسؤولية الـماليةفي السلطة إلى الدكتورسلام فياض.
ومع ذلك، عبر وزير الخارجية الاميركي كولن باول عن خيبته قائلا:العديد من السلطات ما زالت بين يدي عرفات.
في هذا الوقت انشغلت الولايات الـمتحدة بالحرب على العراق والتي بدات في 20 آذار/مارس 2003.
واتخذ الرئيس الفلسطيني الـموقف ذاته الذي اتخذه العرب من الحرب ووصفها بأنها انتهاك للشرعية الدولية وزعزعة لـمصداقية الأمم الـمتحدة .
في 23 نيسان/أبريل توصل عرفات مع محمود عباس إلى اتفاق حول تأليف الحكومة. وقال المبعوث الاوروبي ميغيل انخيل موراتينوس:" عرفات هو السلطة السياسية والـمعنوية للشعب الفلسطيني، ومن الـمؤكد أن قرار الـموافقة على تأليف حكومة جديدة الذي اتخذه عرفات لا يشكل هزيمة له ... لا يمكننا القول انه رجل من الـماضي".
وإذ ذاك أعلن الرئيس الأميركي جورج بوش ، باسم اللجنة الرباعية الدولية ، عن "خارطة الطريق"، التي تنص على إقامة دولة فلسطينية على مراحل، تكتمل في العام 2005. وافق عليها عرفات وحكومته بخطوطها العريضة، وفعلت الحكومة الإسرائيلية الشيء ذاته ولكن بشروط وتحفظات تنسفها.
في 4 حزيران/يونيو ، اجتمع" أبو مازن" وشارون وجورج بوش والـملك عبد الله الثاني عاهل الاردن في العقبة. كان ياسر عرفات يتابع الحدث على شاشة التلفزيون من الـمقاطعة، وسمع خطاب أبو مازن الذي جرت عليه تعديلات كثيرة من قبل مختلف الـمعاونين، وكان موجها بالأساس إلى الأميركيين والإسرائيليين: ما من كلـمة واحدة عن عرفات، الـمستثنى والـمعزول. ما من كلـمة واحدة عن مسألة اللاجئين. ما من كلـمة واحدة عن القدس. بالـمقابل، دعا أبو مازن الفلسطينيين إلى إنهاء الانتفاضة الـمسلحة ، مؤكدا أن السلطة الفلسطينية اتخذت لنفسها هدفا واضحا وهي تسعى لتحقيقة بحزم وبلا تهاون: الإنهاء التام للعنف والإرهاب .
واختار عرفات أن يدافع عن رئيس وزرائه وركز كل انتقاداته على خطاب شارون وحده، الذي لـم يقدم برأيه تنازلات حقيقية، ووقف عرفات في وجه أعضاء "فتح" الذين انتقدوا خطاب محمود عباس .
انتهز شارون التطورات السياسية الفلسطينية الداخلية ليعاود هجومه على عرفات من زاوية مختلفة هذه الـمرة. فقد ادعى أن رئيس الوزراء الفلسطيني لا يستطيع العمل بهدوء، وأن جهوده تتعرض للتخريب، وأن عرفات لا يزال العقبة الرئيسية "قبل الإسلاميين"، ــ على حد تعبير شارون ــ أمام كل محاولة للسلام...
وقال أحد الـمقربين من شارون : أبلغنا الأميركيين أنه إذا استمر عرفات في إضعاف محمود عباس ، فإن إسرائيل ستضطرإلى إعادة النظر في وضعه.وهكذا عادت التهديدات بطرد أو إزالة الرئيس عرفات إلى الواجهة مرة أخرى .
وعندما أراد عرفات التوجه من رام الله إلى غزة للمشاركة في تشييع شقيقته يسرى التي توفيت في آب/أغسطس 2003أعلنت إسرائيل انها لن تسمح له بالعودة من غزة إلى الضفة الغربية،فامتنع عرفات عن مغادرة رام الله ولم يشارك في جنازة شقيقته. وبدا واضحا أن إسرائيل تواصل استهداف عرفات شخصيا .
تفاقم التصعيد الإسرائيلي على نحو خطير: وفي 6 تشرين الثاني/نوفمبر2003،أفلت الشيخ أحمد ياسين بأعجوبة من قصف إسرائيلي على غزة.وطفح الكيل بمحمود عباس من الممارسات الإسرائيلية ،فقدم استقالته في اليوم ذاته ووافق عليها عرفات ليخلفه في الـمنصب أحمد قريع (أبو علاء ).
كانت إسرائيل قد اعلنت أن حكومتها الأمنية المصغرة وافقت يوم 13 أيلول /سبتمبر مبدئيا على قرار " إزالة عرفات". كانت تلك الـمرة الأولى التي تقرر فيها حكومة" إزالة"رئيس منتخب ديمقراطيا ،وأثار القرار شجبا دوليا واسعا وتسبّب في "عزلة دبلوماسية" لإسرائيل.
واستخدم الأميركيون حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن على قرار يدين القرار الإسرائيلي ، غير أن الجمعية العامة للأمم الـمتحدة أدانت إسرائيل بالإجماع تقريبا ، ودعت إسرائيل للعدول عن تنفيذ قرارها.
وكان نائب رئيس الوزراء إيهود أولـمرت، صديق شارون وموضع ثقته صرح في وقت سابق "لـم يكن مستبعدا قتل عرفات". الشيء ذاته أكدته بلا تردد الصحيفة اليمينية "جيروزالـم بوست"، الـمقربة جدا من الحكومة، حيث جاء في افتتاحية لها يوم 11 تشرين الثاني/نوفمبر 2003: يجب أن نقتل ياسر عرفات، لأن العالـم لـم يدع لنا خيارا آخر".
إثر صدور قرار مجلس الوزراء الإسرائيلي، كشفت صحيفة" يديعوت أحرونوت "الإسرائيلية عن خطةإزالة عرفات و نسبتها إلى ضابط إسرائيلي .
وحين قرأ ياسر عرفات ترجمة المنشور عن خطط "إزالته"، تصرف بهدوء..وقال للصحافي الإسرائيلي الفرنسي اليهودي أمنون كابليوك: "دعهم يحيكون مؤامراتهم. أما أنا فسوف أكون حراً أو شهيداً."
خلال الأسبوع الأول من آذار/مارس 2004 حاصرت قوات الاحتلال المقاطعة مرتين في الوقت الذي كان فيه شارون يعد خطة الانفصال عن غزة وكان يتباحث مع الاميركيين بشأنها،وكانت قوات الاحتلال تنفذ هجمات واسعة خاصة في قطاع غزة ما اسفر عن سقوط عشرات الشهداء ومئات الجرحى ،فطالب عرفات يوم 11من الشهر نفسه اللجنة الرباعية الدولية بالتدخل" لوقف الجرائم الاسرائيلية التي لا يمكن القبول بها ".لكن إسرائيل ردت باغتيال مؤسس وزعيم حماس الشيخ أحمد ياسين يوم 22آذار/مارس ،وأكدعرفات بعد ذلك ان الشعب الفلسطيني لن يتخلى ولن يتراجع عن أهدافه ، فطالب في اليوم ذاته رئيس لجنة الخارجية والامن التابعة للكنيست يوفال شتيانتيس بطرد ياسر عرفات إلى تونس.وفي اليوم التالي ألمح رئيس أركان الجيش الإسرائيلي الجنرال موشي يعلون إلى أن الاغتيال يقترب من ياسر عرفات .
كان عرفات يواصل عمله ونشاطه في مقره بالمقاطعة ..يستقبل ويودع الزوار والوفود :ويعقد الاجتماعات مع مسؤولين ومساعدين .. بقي عرفات محور العمل السياسي الفلسطيني ولم تنجح كل محاولات إسرائيل لعزله.
وبدأت "الحرب الصحية" تتصاعد على الرئيس ياسر عرفات يوم 4 نيسان/أبريل حيث نقلت القناة الثانية في التلفزيون الاسرائيلي نبا عاجلا مفاده ان الرئيس عرفات اصيب بجلطة دماغية، بينما كان في الواقع يقوم بعمله بشكل طبيعي في المقاطعة في رام الله. وقال صحافي اجنبي وقتها انه رصد خلال الأشهر الخمسة التي سبقت 10 تقارير صحافية عن تدهور صحة عرفات ،و عندما تحقق من مصادرها وجدها جميعا إسرائيلية الأصل .. وبالطبع كانت كلها عارية عن الصحة وبلا أساس .
في يوم 7نيسان/ابريل قال رئيس الوزراء الفلسطيني أحمد قريع في تصريحات في القاهرة انه يجب التعامل بجدية مع التهديدات الاسرائيلية باغتيال عرفات بعد أن كان شارون صرح قبل يومين على ذلك بانه لا يضمن سلامة عرفات .وجاءت الاشارة القوية يوم 14/4/ 2004 حين أخبر شارون الرئيس الاميركي جورج بوش ـ حسب الكاتب الإسرائيلي "اوري دان" وهو أحد مقربي ارئيل شارون ومؤتمن أسراره ـ بانه لم يعد ملزما أكثر بالوعد الذي قطعه له حسب طلبه في آذار/مارس 2001 والذي تعهد فيه بعدم المس جسديا بعرفات ،فرد عليه بوش وقال: من الأفضل أن نترك مصير الرجل في يد رب السماء ،فقال له شارون : رب السماء يحتاج في بعض الأوقات إلى مساعدة .
لم يعط بوش لشارون الضوء الاخضر لقتل ياسر عرفات، لكن شارون اعتبر ان يده باتت طليقة فيما يتعلق بعرفات.وفي ذلك اليوم 14/4/ 2004 أعطى بوش لشارون ما اعتبره البعض "وعد بوش" على غرار "وعد بلفور" ...فقد وجه بوش رسالة إلى شارون أعلن فيها موافقته على خطة الانسحاب الاحادي من غزة، وأعطى بوش " شرعية" في خطابه للتجمعات الاستيطانية وتبنى اللاءات الإسرائيلية بشان حق العودة للاجئين الفلسطينيين وحدود الرابع من حزيران الامر الذي رفضه ياسر عرفات.
وبعد اغتيال إسرائيل للزعيم الجديد لحركة حماس عبد العزيز الرنتيسي في 17/4/2004 بستة أيام وجّه شارون تهديداًجديداًإلى عرفات، معتبراً أن الرئيس لـم يعد يتمتع بأية "حصانة".
وقال شارون "وعدت قبل ثلاث سنوات الرئيس الأميركي جورج بوش بعدم المساس بعرفات، إلا أنني لـم أعد ملزماً بهذا الوعد، والأخير لـم يعد يستفيد من أية حصانة".
ونقل عن شارون قوله في الـمقابلة إنه أبلغ بوش بأنه لـم يعد ملتزماً بتعهده بعدم إيذاء عرفات جسدياً، وبأنه يدرك الـمشاكل الـمتعلقة بهذه الـمسألة، لكنه لـم يعد ملزماً بالاتفاق.
وكان شارون أعلن في الثاني من الشهر نفسه في مقابلة مع صحيفة هآرتس "أنا لا أنصح أية شركة تأمين بضمان حياة عرفات".
وبعد ثلاثة أيام، قال شارون في تهديد أكثر مباشرة "إن جميع الذين يقتلون يهوداً أو يحثون على قتل يهود او مواطنين إسرائيليين يستحقون الـموت .. نعلـم أن عرفات مسؤول عن قتل يهود منذ عقود".
واعلنت وزارة الخارجية الاميركيةأن الـموقف الاميركي الـمعارض لاستخدام العنف ضد عرفات لـم يتغير.
وأكدت واشنطن مرارا معارضتها لاي تهديد لحياة عرفات على الرغم من أن الولايات الـمتحدة من أنصار تهميشه داخل السلطة الفلسطينية.
وبهذا الصدد ، قال نبيل ابو ردينه، الناطق باسم عرفات،"انها تصريحات مرفوضة ونحن نطلب من الإدارة الاميركية توضيح موقفها من هذه التصريحات الخطيرة وتحمل مسؤولياتها تجاه التصعيد الذي يمارسه رئيس الوزراء الاسرائيلي ويدفع الـمنطقة اليه". وأضاف"نحمل شارون الـمسؤولية الكاملة عن هذه التصريحات الخطيرة التي ستجر المنطقة بأكملها إلى مخاطر كبيرة".ورأىالمسؤولون الفلسطينيون أن تهديدات شارون الاخيرة هي الأخطر من بين سلسلة من التهديدات التي أطلقها رئيس الوزراء الاسرائيلي ضد الرئيس عرفات، معتبرين أن إقدام الحكومة الاسرائيلية على اغتيال قادة بارزين من حركة حماس فضلا عن الضوء الاميركي الممنوح لشارون وانشغال الولايات المتحدة بمشاكلها في العراق وحالة العجز العربي قد تدفع شارون لارتكاب هذه المخاطرة، الجريمة الكبرى.
وخفف مسؤولون اسرائيليون من "حدة" هذه التهديدات بالتأكيد على أن المس بالرئيس عرفات ليس آنيا أو قريبا جدا، إلا أن مصادر اسرائيلية قالت انه لربما كانت التهديدات تمهد لابعاد الرئيس إلى غزة وهي فكرة أيدها علنا رئيس المعارضة الاسرائيلية شمعون بيريس.ومن جانبه قال قائد المنطقة العسكرية لوسط اسرائيل الجنرال موشي كابلينسكي : "الجيش الاسرائيلي لم يتلق اية تعليمات في هذا الشأن لكنه مستعد للتحرك".
وحذر من ان "أي شخص متورط في الإرهاب يجب أن يدرك أنه لا يستطيع النوم بأمان".
وتواصلت أيضا الهجمات الاميركية على عرفات ،واتهم وزير الخارجية الاميركية كولن باول عرفات بمواصلة القاء البيانات التحريضية في المنطقة، وشدد باول على"حق اسرائيل في الدفاع عن نفسها" وحمل الفلسطينيين مسؤولية استمرار أعمال العنف منتقدا بشدة الرئيس عرفات. ودعا باول عرفات مجددا إلى التخلي عن السيطرة على أجهزة الأمن.
وفي 3 أيار/مايو 2004حاصرت قوات الاحتلال الإسرائيلي المقاطعة مجددا،ومنعت الدخول أو الخروج من مكتب عرفات،وبعد ثلاثة ايام تعمد بوش أن يتجاهل عرفات، وقال للصحافة أنه سيبعث برسالة شخصية إلى رئيس الوزراء الفلسطيني أحمد قريع وأنه سيوسع الحوار بين الولايات المتحدة والفلسطينيين.ولم يسمح لعرفات بمغادرة الاراضي الفلسطينية للمشاركة في القمة العربية بتونس يوم 22/5/2004 فتحدث اليها في كلمة متلفزة جدد فيها التزامه بسلام الشجعان ،وطالب بقوة دولية لحماية الشعب الفلسطين ومراقبة ما تقوم به إسرائيل .
تواصلت الاعتداءات الإسرائيلية في الضفة وغزة وردت الفصائل الفلسطينية بعمليات تفجيرية في إسرائيل، وفي اليوم الأخير من الشهر ذاته أعلنت القاهرة موافقة عرفات وشارون على مبادرة مصرية لوقف أعمال العنف وإعادة تحريك المفاوضات وعقد لقاء بين شارون وقريع.وفي اليوم التالي تحدثت مصادر إسرائيلية عن استعداد شارون لتغيير موقفه من عرفات إذا وافق الأخير على التخلي عن صلاحياته الامنية وإذا منح صلاحيات أوسع لرئيس الوزراء أحمد قريع.
تلقى عرفات دعما مهماـ في ظل الحصار الإسرائيلي المدعوم أميركيا ـ فقد تصادم الرئيس الفرنسي جاك شيراك مع السياسة الخارجية الاميركية يوم 29/6/2004 بقوله إن العزلة المفروضة على الرئيس ياسرعرفات تعرقل عملية تحقيق السلام في الشرق الاوسط.وأضاف شيراك الذي كان يتحدث على هامش قمة للحلف الأطلسي:"يمكن للناس أن يتبنوا ما شاؤوا من آراء في الرئيس عرفات أو أي رئيس اخر... لكن لا يمكن منازعة الشرعية ما لم تقدم شرعية مختلفة." وقال : "من الطبيعي أن تكون لفرنسا اتصالات مع الرئيس الفلسطيني عرفات الذي ربما يكون الشخص الوحيد القادر على فرض حل وسط على الشعب الفلسطيني."وفي نفس اليوم أوفد شيراك وزير خارجيته ميشال بارنييه إلى رام الله للقاء عرفات. وتعقيبا على الزيارة شجب شارون ما وصفه بانه التصرف غير الودي للحكومة الفرنسية،وقال شارون "أصابتني زيارة بارنييه وكذلك تصريحات الرئيس جاك شيراك حول وضع ياسرعرفات بالخيبة".
تواصل الحصار الإسرائيلي على عرفات وفي الأول من آب/أغسطس 2004 منحت جامعة القدس الدكتوراة الفخرية لياسر عرفات وذلك في حفل خاص أقيم في مقر عرفات بالمقاطعة المحاصرة.ومرة أخرى جدد عرفات وبنفس القوة ما كان دائما يؤكده:الشعب الفلسطيني لن يتخلى عن أرضه وحريته ولن يرضخ للاحتلال.وفي الثامن عشر من الشهر نفسه ألقى عرفات خطابا أمام المجلس التشريعي الذي انعقد في المحاصرة،كان الخطاب شاملا وتضمن لأول مرة تقييما للسنوات العشر من عمر السلطة الفلسطينية.
وفي الثاني عشر من أيلول/سبتمبرأعلن عمرو موسى الأمين العام لجامعة الدول العربية ان الدول العربية تجري مشاورات بشأن التهديدات الإسرائيلية للرئيس ياسر عرفات ، وقال موسى عقب اجتماع لمندوبي الدول العربية في القاهرة أن هذه التهديدات غير مقبولة وينبغي الرد عليها،والرئيس عرفات هو الرئيس الشرعي للشعب الفلسطيني والعنوان الرئيسي والصحيح للتحدث بشان القضية الفلسطينية.
ورد شارون على التحرك العربي بأن جدد يوم 14/9/2004 تهديداته وألمح إلى أن إسرائيل قد تغتال عرفات أو تطرده من الأراضي الفلسطينية.وقال شارون لصحيفة"يديعوت أحرونوت":لا أرى فرقا بين عرفات وبين زعيمين لحماس اغتالتهما إسرائيل في الربيع الماضي ـ هما أحمد ياسين وعبد العزيز الرنتيسي ـ" ..جميعهم يتبعون سياسة قتل ..وسنفعل بعرفات ما فعلنا مع القتلة.
وكذلك تحث في نفس الاسبوع وزيرا الدفاع والخارجية الإسرائيليين شاؤول موفاز وسيلفان شالوم عن العزم على "طرد" عرفات "قريبا".
واعتبرت السلطة الوطنية الفلسطينية التهديدات خطيرة جدا وطالبت بتدخل اللجنة الرباعيةالدولية.
وقال صائب عريقات وزير شؤون المفاوضات: هذه التهديدات تحضير وتمهيد للمس بالرئيس عرفات جسديا .
وقال شارون بعد ثلاثة ايام في تصريحات صحافية: سنتخلص من ياسرعرفات عندما تكون الأوضاع في صالحنا ..ولو استطعنا التخلص منه لفعلنا ذلك منذ مدة.
يوم 22/9/2004 كرر شارون تهديداته وقال: إسرائيل ستتخذ كل إجراء ضد ياسر عرفات في الوقت الذي تراه مناسبا كما فعلت عند اغتيال زعماء حماس في وقت سابق من العام الحالي.
ويقيت الاتصالات مقطوعة بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي ،وبدا واضحا لعرفات أن شارون ينفذ فقط ما اعتاد عليه طوال حياته ضد الفلسطينيين ، ودعا عرفات في الخامس من تشرين الأول/اكتوبر 2004مجلس الأمن الدولي إلى إصدار قرار يلزم إسرائيل بوقف عدوانها ضد الشعب الفلسطيني وبوقف استخدامها الاسلحة المحرمة دوليا وانتهاكها للمقدسات المسيحية والاسلامية وقتل النساء والاطفال ,وأكد عرفات ان الاتصالات الرسمية مع الحكومة الإسرائيلية مقطوعة.
الإثنين نوفمبر 22, 2010 7:04 pm من طرف نتام
» الشوق
الأربعاء سبتمبر 01, 2010 5:13 pm من طرف amira
» تبسم..فان الله ما اشقاك الا ليسعدك
الثلاثاء أغسطس 10, 2010 12:09 am من طرف amira
» كيف تتصرف اذا لم يعد الحب يمنحك ما تريد !!!!!!!!!!!!!!!!
الأحد أغسطس 08, 2010 10:30 pm من طرف amira
» العناية بالشعر المجعد ملف حصري
الأحد يوليو 25, 2010 9:53 pm من طرف meriem
» ديكور جديد بعلب اللبن الفارغة
الأربعاء يونيو 30, 2010 9:01 pm من طرف امة الله نور اليقين
» باقة من ديكورات المنزل مطابخ
الأربعاء يونيو 30, 2010 8:59 pm من طرف امة الله نور اليقين
» اصنعي تحفا فنية بالرسم على الزجاج
الأربعاء يونيو 30, 2010 8:53 pm من طرف امة الله نور اليقين
» أفكار تخزين اقتصادية منقوووووووووووووووووول
الأربعاء يونيو 30, 2010 8:43 pm من طرف امة الله نور اليقين